ياسين الحاج صالح – من كتابه بالخلاص يا شباب

وإن كان الكاتب ياسين حاج صالح قد قدّم لكتابه هذا بأنه بإشارات تجعل من الصعب تصنيف الكتاب سواء أدب سجون أن شهادات أو وثائق. إلا أن من يقرأ الكتاب سيجد فيه عصارة فكرية جذابة وموجعة لكنها أيضاً حقيقية، وأما اللغة المكتوب بها هذا الكتاب تدفعك أحيانا إلى وضعه في خانة النصوص الأدبية. 

أنطون تشيخوف – مثقفوا الثورات Anton Chekhov

من كتاب دفاتر سرية
البعض يندِّدون بالعالم، والبعضُ الآخر يستهجنُ الجماهير، وفحوي القول مديحُ الماضي وإلقاءُ اللوم علي الحاضر؛ إنهم يزعقون بانعدام القِيم وهلمّ جرّاً، ولكن هذا كله قد قيلَ منذ عشرين أو ثلاثين سنة؛ فهذه صياغاتٌ بالية خدمتْ عصرها، وكلُّ من يردّدُها الآن رثٌّ أيضاً وفاقدٌ نضارته. إذ مع ذبولِ أوراق السنة الفائتة يذوي أيضاً أولئك الذين عاشوا خلالها. فكرتُ، نحن المستهلَكين، غير المتنوّرين، أصحاب الكلام العادي، النمطيون في طموحاتنا، قد عفا علينا الزمن؛ وفي حين أننا نحن المثقفين ننقّب وسط الأسمال المهترئة، ونتعاضُّ بحسب الأعراف الروسية القديمة….

دارا عبد الله – مقطع عن السجن – تلاشي البعد

تلاشي البعد
أرضيَّةُ ممرِّ السجن حائطٌ نائم، والحفرُ كانَت نوافذ. لم أكن أعرفُ بالضبط أنَّ تلك الحُفر كانت قبوراً على شكل منفردات، كالانطباعات الغائرة التي تحفرها حبوبُ الشباب في وجوهِ المراهقين. في الطريق من “المهجع الجماعي” إلى غرفَةِ التحقيق في “فرع الخطيب” بدمشق، كانَ بياضُ بؤبؤِ العين يلمعُ في قتامةِ ظلام تلك الحفر، تأكَّدت وقتها أنَّ فيها بَشراً!
حجمُ المنفردِة – القبر مُصمَّم بدقَّةٍ وعناية، طولُها لا يسمحُ بالتمدُّد الكامل، وعرضُها يعيقُ التكوَّر الجنيني، حيرةٌ برزخيَّة بين الراحة والتعب، حتى التعب المطلقُ غيرُ مسموحٍ لأنَّ الألم النهائي الأقصى تتبعهُ راحةٌ جزئيَّة، كانت تلك الحفرُ أكبرَ انتهاكٍ لكرامةِ القبور.